Minggu, 31 Mei 2015

الفينومينولوجيا

تعريف الفينومينولوجيا
‌أ)  الفسلفة الفينومينولوجية [1]
           ظهرت هذه الحركة الفلسفية فى بدايات القرن الحالى، ومثل العديد من الحركات الفكرية البازغة فقد كان لها إرهاصات وملامح متناثرة فى أعماق عدد من المفكرين إلا أن تأسيسها والصياغة الشاملة لنسقها تمت على يد الفيلسوف الألمانى أدموند هوسرل Edmond Husserl (1859 – 1938) الذى يعتبر البعض أن أهميته فى القرن العشرين قد لا تقل عن أهمية فلاسفة مثل "هيجل" فى القرن التاسع عشر أو "كانت" فى القرن الثامن عشر أو "ديكارت" فى القرن السابع عشر.
   وقد بدأت الفينومينولوجيا بموقف ناقد من فلسفات وعلوم العصر ومناهجها وأسسها وأنساقها المعرفية، وكان أبرز هذه الانتقادات هو ما وجهته إلى المذهب الطبيعى Naturalism[2] الذى ساد بسيادة المدخل التجريبى ونجاحه الفائق فى مجال العلوم الطبيعية، فهذا المذهب كما تراه الفينومينولوجيا يدعى لنفسه الصفة العلمية الوحيدة الممكنة، ويقصر صفة "حقيقى" فحسب على ما هو طبيعى أو فيزيائى Physicl، و"كعلم" لما هو واقعى Factual فإنه يرفض الاعتراف بحقيقة ما هو مثالى (تصورى أو ذهنى) Ideal أو يقوم بعملية تطبيع له بتحويله إلى حقيقة فيزيائية.
   والخطأ الأساسى لهذا المذهب فى نظر الفينومينولوجيا هو إجراؤه لعملية التطبيع هذه على الذات الإنسانية بوعيها وبأفكارها، بينما ترى الفينومينولوجيا أن الظاهرة الإنسانية ليست مجرد قطاع فى الطبيعة الفيزيائية، والذات الإنسانية ليست مجرد "موضوع" تتكفل بتفسيره قوانين الأشياء وروابطها العلمية.
   وتعتبر الفينومينولوجيا أن نوع الموضوعية التى يفترضها هذا المذهب مسبقا والتى لا يستطيع بدونها إدعاء العلمية هى اعتقاد مثالى وهى بذلك نقيض واضح للمبادئ الطبيعية نفسها.
   من هذه الخلفية الناقدة سعت الفنيومينولوجيا نحو بداية جديدة متحررة من كل ما هو مسبق من نظريات أو افتراضات أو مفاهيم، إلى إنشاء علم أولى أو علم بدايات يضع الركائز الثابتة التى يمكن أن تقوم عليها المعرفة وأية صياغات لها فى شكل مفاهيم أو فروض أو نظريات فى كافة العلوم الفلسفية منها أو الطبيعية أو الإنسانية، إلى وضع فلسفة شاملة تكون بمثابة معيار لفحص مدخلى لكافة العلوم.
   ومن هنا فقد حاولت صياغة مدخل معرفى أساسه العودة إلى الأشياء نفسها، إلى البحث المباشر فى الظواهر كما "يخبرها" الوعى بتحرر كامل من أى مفاهيم أو نظريات مفسرة مسبقة، وسعت إلى أن يكون لهذا المدخل شروط الوثوق والتحقق بالدرجة التى تجعل من نسقها علما صارما.
   وبالنسبة لهوسرل فإن العلم الفلسفى الصارم الذى ينشده هو علم منظوم Systematic ولكنه ليس نسقا بالمعنى المذهبى System، ويصعب على هذا الأساس تصنيف الفينومينولوجيا كمذهب، فهى أقرب إلى المدخل ذى الطابع التساؤلى الجذرى، هى فلسفة غير مكتملة، طابعها البحث المستمر..، متفتحة ومرنة.
   وهناك من يمكن أن يقول بأنه من طبيعة الفلسفة أو ماهيتها ألا تكون علمية، ولكن هوسرل يرفض قبول مثل هذا الاستنتاج، ويقول بأن احتمال العلم الصارم فى أى مجال يتطلب احتمالا بعلم فلسفى صارم، لأن مثل هذا العلم الفلسفى فحسب هو الذى يمكن أن يضمن الطابع العلمى الصادق لأى عام متخصص.
   ننتقل الآن إلى عرض النسق الذى تقدمه الفلسفة الفينومينولوجيا والأسلوب الذى سأتبعه فى ذلك – سعيا إلى الوضوح الممكن – هو عرض المفاهيم الأساسية التى تتضمنها كرؤوس موضوعات تتحدد من خلالها، ومن مجموعها، الملامح الرئيسية للفينومينولوجيا، ومنها أنتقل إلى عرض لخطوات المدخل الفينوميولوجى، ثم يختتم هذا القسم بنظرة عامة تشتمل على بعض الملامح والملاحظات الإضافية.[3]
ب) تعريف الفينومينولوجيا (الظاهراتية)
   الفينومينولوجيا، تيار فلسفي جاء به ادموند هوسرل يدرس الخبرة الانسانية بمحاولة الاستقلال عن القيم والاحكام الذاتية. الفنومينولوجي Phenomenology هو دراسة الأشياء (الموجودات) كظواهر Phenomena ومعاني هي في خبرتنا الواعية.
   ظهر هذا المصطلح في بداية القرن العشرين بواسطة إدموند هوسرل ومارتن هيدغر وموريس ميرلو بونتي وجان بول سارتر. اعتبر هذا التيار أساساً مكينا للفلسفة مقارنة مع فلسفة الاخلاق والميتافيزيقا وفلسفة المعرفة. البعض يرجع هذا المصطلح الى هيجل و كانت.
   الفينومينولوجيا يدرس كافة انواع الخبرة الانساينة من التصورات، الفكر، الذاكرة، التخيل، الشعور، الرغبة، الاختيار إلى الوعي الجسماني والفعل الرمزي (التمثيلي) والنشاط الاجتماعي والنشاط اللغوي. يطلق عليها بعضهم “فلسفة العقل” .[4]
   الظاهرة Phenomenon هى موضوع الفينومينولوجيا، ومنه يشتق اسمها، والتعبير عموما يعنى أى موضوع Object (شئ أو حقيقة أو واقعة) قابل للإدراك والملاحظة. وفى الفلسفة يستخدم التعبير بشكل عام للإشارة إلى موضوعات الأحاسيس (السمع أو الرؤية ... الخ) فى مقابل ما يفهم بالعقل، أو ما يستوعب فوريا بواسطة الحواس قبل القيام بأى حكم، إلا أن الكلمة لم تصبح أبدا اصطلاحا فنيا محددا بهذا المعنى حيث يفضل الكثير من الفلاسفة تعبيرات مثل "معطيات الحس" Sense Data. وفى أحيان أخرى يصطبغ التعبير فى الفلسفات المختلفة وفقا للنسق المذهبى لكل منها، ففى فلسفة "كانت" على سبيل المثال يستعمل لفظ الظاهرة للإشارة إلى "المظاهر العقلية الواعية" أو الأشياء كما تبدو لنا وذلك فى مقابل الأشياء فى ذاتها Noumena، وهى مالا يمكن ملاحظته أو معرفته أو الوعي به بشكل مباشر.
   وبالنسبة لنسق الفينومينولوجيا فإن للظاهرة مفهوم محدد حيث تفهم بوصفها "الموضوع المعروف فى الوعى وبواسطته "[5]. ولفظ "المعروف" هنا له معنى واسع يشمل كل كيفيات الوعى مثل الحدس والإدراك والتخيل والتذكر والحكم.. الخ، إلا أنه تجدر الإشارة إلى أن الحدس يأخذ وضعا متميزا فى الفلسفة الفينومينولوجية كما سنرى.
   والموضوع المعروف يمكن أن يكون شيئا أو واقعة أو حالة من حالات الأمور، وهذا يعنى نطاقا واسعا غير محدود بالخبرات الحسية المجردة، فالفينومينولوجيا تسمح – وعلى قدم المساواة – بمعطيات غير حسية مثل العلاقات والقيم طالما أنها تقدم نفسها بشكل حسدسى، وتعتبرها موضوعات قابلة للفحص المعرفى والدراسة العلمية.
   والمعرفة‏ ‏فى ‏الوعى ‏وبواسطته‏ ‏شرط‏ ‏أساسى ‏من‏ ‏شروط‏ ‏الظاهرة‏ ‏كما‏ ‏تفهمها‏ ‏الفينومينولوجيا‏, ‏فهى ‏تعتبر‏ ‏نفسها‏ ‏غير‏ ‏معنية‏ ‏بأى ‏وجود‏ ‏أو‏ ‏موجودات‏ ‏افتراضية‏ ‏أو‏ ‏مخمنة‏ ‏أو‏ ‏مستدل‏ ‏عليها‏ ‏بوصفها‏ ‏خارج‏ ‏نطاق‏ ‏الوعى, ‏ولايجب‏ ‏أن‏ ‏يفهم‏ ‏هذا‏ ‏بوصفه‏ ‏نظرة‏ ‏ضيقة‏ ‏لأن‏ ‏الفينومينولوجيا‏ ‏تعتبر‏ ‏أن‏ ‏كل‏ ‏الحقائق‏ - ‏بما‏ ‏فيها‏ ‏حقائق‏ ‏نهائية‏ ‏تعتبرها‏ ‏فلسفات‏ ‏أخرى ‏غير‏ ‏قابلة‏ ‏للمعرفة‏ - ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏تتكشف‏ ‏فى ‏الوعى ‏بدرجة‏ ‏كافية‏ ‏من‏ ‏خلال‏ ‏المدخل‏ ‏الفينومينولوجى.‏

 ‏2. المدخل‏  ‏الفينومينولوجي
       المدخل‏ ‏الفينومينولوجى ‏ليس‏ ‏مدخلا‏ ‏استدلاليا‏ deductive ‏كما‏ ‏أنه‏ ‏ليس‏ ‏مدخلا‏ ‏استقرائيا‏  inductive ‏أو‏ ‏تجريبيا‏ experimental، ‏فهو‏ ‏لا‏ ‏يسعى ‏إلى ‏تتبع‏ ‏الجزئيات‏ ‏للوصول‏ ‏منها‏ ‏إلى ‏أحكام‏ ‏كلية‏ ‏أو‏ ‏قوانين‏ ‏تحدد‏ ‏العلاقات‏, ‏هو‏ ‏لا‏ ‏يسعى ‏إلى ‏تفسير‏ ‏الأشياء‏ ‏أو‏ ‏اكتشاف‏ ‏علاقاتها‏ ‏السببية‏, ‏وإنما‏ ‏يسعى ‏إلى ‏الكشف‏ ‏عن‏ ‏حقيقة‏ "‏الأشياء‏ ‏نفسها‏". ‏إن‏ ‏المدخل‏ ‏الفينومينولوجى ‏يتركز‏ ‏فى ‏الدراسة‏ ‏الوصفية‏ ‏للظواهر‏ ‏سعيا‏ ‏وراء‏ ‏معرفة‏ ‏إن‏ ‏الفينومينولوجيا‏ - ‏كما‏ ‏كتب‏ ‏هوسرل‏ - "‏هى ‏وصف‏ ‏خالص‏ ‏لمجال‏ ‏محايد‏ ‏هو‏ ‏مجال‏ ‏الواقع‏ ‏المعاش‏ ‏أو‏ ‏الخبرة‏ ‏من‏ ‏حيث‏ ‏هى ‏كذلك‏, ‏وللماهيات‏ ‏التى ‏تتمثل‏ ‏فى ‏هذا‏ ‏المجال‏"[6], ‏أي ‏أنها‏:‏
‏1 - ‏دراسة‏ ‏وصفية‏ ‏للظواهر‏ (‏الأشياء‏ ‏أو‏ ‏الوقائع‏ ‏أو‏ ‏حالات‏ ‏الأمور‏) ‏فى ‏الخبرة‏ ‏المباشرة‏ ‏الواعية‏.‏
‏2 - ‏والهدف‏ ‏من‏ ‏ذلك‏ ‏هو‏ ‏الوصول‏ ‏إلى ‏معرفة‏ ‏واضحة‏ ‏بالتركيبات‏ ‏الجوهرية‏ ‏الثابتة‏ ‏غير‏ ‏القابلة‏ ‏للتغير‏ ‏للظواهر‏.. ‏أى ‏ماهياتها‏, ‏وذلك‏ ‏بوصفها‏ ‏الحقائق‏ ‏الأساسية‏ ‏المبدئية‏ ‏التى ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏يبنى ‏عليها‏ ‏أى ‏علم‏ ‏فى ‏أى ‏مجال‏.‏
       وهذه‏ ‏المهمة‏ ‏فى ‏نظر‏ ‏هوسرل‏ ‏تتطلب‏ ‏شيئين‏ ‏مبدئيين‏:‏
‏1- ‏التخلص‏ ‏من‏ ‏أى ‏مفاهيم‏ ‏أو‏ ‏افتراضات‏ ‏أو‏ ‏أنساق‏ ‏نظرية‏ ‏مسبقة‏ ‏تحاول‏ ‏التفسير‏ ‏أو‏ ‏تبين‏ ‏العلاقات‏ ‏والأسباب‏, ‏فمهمة‏ ‏الفينومينولوجيا‏ ‏فى ‏الكشف‏ ‏عن‏ ‏حقيقة‏ ‏الظواهر‏ ‏وماهيتها‏ ‏هى ‏مهمة‏ ‏مبدئية‏, ‏ولابد‏ ‏أن‏ ‏تكون‏ ‏سابقة‏ ‏على ‏أى ‏محاولات‏ ‏لوضع‏ ‏صياغات‏ ‏نظرية‏ ‏مفسرة‏ ‏أو‏ ‏متعقبة‏ ‏للعلاقات‏ ‏والأسباب‏, ‏مثل‏ ‏هذه‏ ‏المحاولات‏ ‏هى ‏خطوة‏ ‏تالية‏ ‏للفينومينولوجيا‏ ‏وخارجة‏ ‏عن‏ ‏نطاقها‏ ‏ولا‏ ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏تتم‏ ‏بالمعنى ‏الذى ‏يضمن‏ ‏صدقها‏ ‏واتجاها‏ ‏الصحيح‏ ‏سوى ‏بعد‏ ‏اتمام‏ ‏المهمة‏ ‏الفينومينولوجية‏ ‏فى ‏إرساء‏ ‏الحقائق‏ ‏الثابتة‏, ‏أو‏ ‏الماهيات‏ ‏المتضمنة‏ ‏فى ‏الظواهر‏ ‏محل‏ ‏البحث‏.‏
‏2 - ‏والمدى ‏الذى ‏يصل‏ ‏إليه‏ ‏التخلص‏ ‏من‏ ‏الافتراضات‏ ‏المسبقة‏ ‏يمتد‏ ‏إلى ‏أبعاد‏ ‏جذرية‏ ‏حيث‏ ‏يتضمن‏ ‏عملية‏ ‏يعطيها‏ ‏هوسرل‏ ‏أهمية‏ ‏خاصة‏ ‏ويتم‏ ‏فيها‏ ‏تنحية‏ ‏أو‏ ‏تعليق‏ ‏قضية‏ ‏الاعتقاد‏ ‏بالوجود‏ ‏الواقعى ‏للعالم‏ ‏من‏ ‏خلال‏ ‏ما‏ ‏يسمى "‏بالتقويس‏  Bracketing (‏أو‏ ‏الايبوكية‏ Epoche )[7] والمقصود‏ ‏بهذه‏ ‏العملية‏ ‏ببساطة‏ ‏هو‏ ‏أن‏ "‏وجود‏" ‏العالم‏ ‏يجب‏ ‏أن‏ ‏يوضع‏ ‏بين‏ ‏قوسين‏ ‏أو‏ ‏يعلق‏, ‏أى ‏أن‏ ‏القطع‏ ‏بأن‏ ‏العالم‏ ‏بموجوداته‏ ‏موجود‏ ‏واقعيا‏ ‏ومستقل‏ ‏عن‏ ‏وعى ‏الانسان‏ ‏به‏ (‏الموقف‏ ‏الواقعى ‏أو‏ ‏الطبيعي‏) ‏أو‏ ‏أنه‏ ‏غير‏ ‏مستقل‏ ‏عن‏ ‏الوعى ‏ولايعدو‏ ‏أن‏ ‏يكون‏ ‏تمثلات‏ ‏فى ‏عقولنا‏ (‏الموقف‏ ‏المثالي‏), ‏هذا‏ ‏القطع‏ ‏يجب‏ ‏أن‏ ‏يعلق‏ ‏وينحى ‏جانبا‏ ‏حتى ‏تتمكن‏ ‏الفينومينولوجيا‏ ‏من‏ ‏التفرغ‏ ‏لمهمتها‏ ‏الأساسية‏ ‏وهى ‏الكشف‏ ‏عن‏ ‏حقيقة‏ ‏الموجودات‏ ‏كما‏ ‏تقدم‏ ‏نفسها‏ ‏فى ‏الوعى, ‏فمبحث‏ ‏الفينومينولوجيا‏ ‏هو‏ ‏حقيقة‏ "‏الموجودات‏" ‏وليس‏ ‏حقيقة‏ "‏الوجود‏" ‏وهى ‏لذلك‏ ‏تنحى ‏هذه‏ ‏القضية‏ ‏جانبا‏ ‏بواسطة‏ ‏هذا‏ ‏التوقف‏ ‏عن‏ ‏الحكم‏.‏
       وهذا‏ ‏النوع‏ ‏من‏ ‏الاختزال‏ (‏حيث‏ ‏يختزل‏ ‏كل‏ ‏ما‏ ‏يتعلق‏ ‏بهذه‏ ‏القضية‏ ‏فى ‏بحثنا‏ ‏للعالم‏) ‏لايعنى ‏إنكار‏ ‏وجود‏ ‏العالم‏ ‏الطبيعى ‏أو‏ ‏الواقعى ‏ولا‏ ‏حتى ‏الشك‏ ‏فى ‏وجوده‏ ‏وإنما‏ ‏يعنى ‏فقط‏ ‏أن‏ ‏هذا‏ ‏الموقف‏ ‏الطبيعى ‏قد‏ ‏نحى ‏بشكل‏ ‏مؤقت‏ ‏لأنه‏ ‏ليس‏ - ‏كما‏ ‏هو‏ - ‏جزءا‏ ‏متأصلا‏ ‏من‏ ‏المعرفة‏ ‏التحليلية‏, ‏إن‏ ‏واقعية‏ ‏العالم‏ ‏الطبيعى ‏والذات‏ ‏التى ‏تنتمى ‏إليه‏ (‏التجريبية‏) ‏ليست‏ ‏محل‏ ‏تساؤل‏, ‏ومن‏ ‏الممكن‏ ‏دائما‏ ‏الانتقال‏ ‏من‏ ‏وجهة‏ ‏النظر‏ ‏المثالية‏ ‏إلى ‏وجهة‏ ‏النظر‏ ‏الطبيعية‏ ‏وبالعكس‏, ‏أو‏ ‏كما‏ ‏كتب‏ ‏هوسرل‏ ‏نفسه‏ "‏كل‏ ‏تحديد‏ ‏ماهوى (‏أو‏ ‏أيديتيكى eidetic) ‏على ‏جانب‏ ‏لابد‏ ‏وأن‏ ‏تقابله‏ ‏ملامح‏ ‏موازية‏ ‏من‏ ‏تحديد‏ ‏تجريى   emperical ‏على ‏الجانب‏ ‏الآخر‏", ‏والفينومينولوجيون‏ ‏يقدمون‏ ‏مثل‏ ‏هذا‏ ‏الدفاع‏ ‏ضد‏ ‏اتهام‏ ‏الفينومينولوجيا‏ ‏بأنها‏ ‏عودة‏ ‏إلى ‏المثالية‏ ‏الصرفة‏[8].‏
       بعد‏ ‏هذه‏ ‏الخطوة‏ ‏المبدئية‏ ‏تتعاقب‏ ‏ثلاث‏ ‏خطوات‏ ‏اختزالية‏ ‏يتلخص‏ ‏فيها‏ ‏المدخل‏ ‏الفينومنيولوجي‏:‏
‏1.‏ ‏الاختزال‏ ‏الفينومينولوجى Phenomenological reduction 
     ومن‏ ‏خلاله‏ ‏يتم‏ ‏تحويل‏ ‏كل‏ ‏ماهو‏ ‏معطى ‏إلى ‏ظاهرة‏.. ‏بمعنى ‏الشيء‏ ‏المعروف‏ ‏فى ‏الوعى ‏وبواسطته‏, ‏وهذا‏ ‏النوع‏ ‏من‏ ‏المعرفة‏ ‏يجب‏ ‏أن‏ ‏يؤخذ‏ ‏بمعنى ‏واسع‏ ‏يشمل‏ ‏كل‏ ‏كيفيات‏ ‏الوعى ‏مثل‏ ‏الحدس‏, ‏التذكر‏, ‏التخيل‏, ‏الحكم‏.. ‏الخ‏, ‏إلا‏ ‏أنه‏ ‏من‏ ‏بين‏ ‏هذه‏ ‏الكيفيات‏ ‏فإن‏ ‏هوسرل‏ ‏يعطى ‏وضعا‏ ‏متميزا‏ ‏للحدس‏ ‏فى ‏التقاط‏ ‏الظواهر‏ ‏وذلك‏ ‏لأسباب‏ ‏محددة‏:
‏(‏أ‏) ‏لأن‏ ‏الحدس‏ ‏هو‏ ‏الفعل‏ ‏الذى ‏يلتقط‏ ‏فيه‏ ‏الشخص‏ ‏الموضوع‏ ‏فوريا‏ ‏فى ‏وجوده‏ ‏المتجسد‏.‏
‏(‏ب‏) ‏ولأنه‏ ‏فعل‏ ‏معطى ‏بطريقة‏ ‏أولية‏.. ‏يتلوها‏ ‏أو‏ ‏ينبنى ‏عليها‏ ‏كل‏ ‏شيء‏ ‏آخر‏.‏
     هذا‏ ‏الاختزال‏ - ‏أو‏ ‏المعرفة‏ ‏بالظواهر‏ ‏فى ‏الوعى - ‏هو‏ ‏شيء‏ ‏أساسى ‏فى ‏الفينومينولوجيا‏ ‏فهى ‏تعتبر‏ ‏نفسها‏ ‏علمية‏ ‏بقدر‏ ‏ما‏ ‏هى ‏متمركزة‏ ‏فى ‏الظاهرة‏ ‏الملتقطة‏ ‏فى ‏الوعى, ‏ولابد‏ ‏من‏ ‏ترجمة‏ ‏العالم‏ ‏الخارج‏ ‏عن‏ ‏الوعى ‏ترجمة‏ ‏تحيله‏ ‏إلى ‏عالم‏ ‏فينومينولوجى.. ‏أى ‏عالم‏ ‏الوعى. ‏إن‏ ‏هذا‏ ‏الإختزال‏ ‏يعنى ‏عكس‏ ‏اتجاه‏ ‏نظر‏ ‏الإنسان‏ ‏من‏ ‏توجه‏ ‏مباشر‏ ‏نحو‏ ‏الموضوعات‏ ‏إلى ‏توجه‏ ‏نحو‏ ‏الوعى ‏وهو‏ ‏ما‏ ‏يتيح‏ ‏للفينومينولوجيا‏ ‏دراسة‏ ‏الظاهرة‏ ‏أو‏ ‏الموضوع‏ ‏فى ‏فعل‏ ‏الوعى ‏القصدى, ‏والتقاط‏ ‏ماهيتها‏.‏
     إن‏ ‏هذا‏ ‏الاختزال‏ ‏بذلك‏ ‏هو‏ ‏الشرط‏ ‏الأول‏ ‏للمعرفة‏ ‏الموضوعية‏, ‏فاالموضوعية‏ ‏لاتخضع‏ ‏للبحث‏ ‏إلا‏ ‏إذا‏ ‏تمثلت‏ ‏تمثلا‏ ‏ما‏ ‏فى ‏ظاهرة‏ ‏وأصبحت‏ ‏بذلك‏ ‏ملتقطة‏ ‏فى ‏الوعى.‏
‏2. ‏الاختزال‏ ‏الايديتيكى (‏الماهوي‏)Eidetic Reduction ‏ عندما‏ ‏يتم‏ ‏تمثيل‏ ‏الظواهر‏ ‏داخل‏ ‏الوعى ‏لاتلتقط‏ ‏عادة‏ ‏بصورة‏ ‏نقية‏ ‏وإنما‏ ‏يشوبها‏ ‏إضافات‏ ‏وصفات‏ ‏عرضية‏ ‏أو‏ ‏مصادفة‏  contingent ‏لا‏ ‏تجعلها‏ ‏واضحة‏ ‏كتركيبات‏ ‏جوهرية‏ ‏أو‏ ‏مضمون‏ ‏يشكل‏ ‏وحدة‏ ‏متفردة‏, ‏والتأمل‏ ‏المبنى ‏على ‏الحدس‏ ‏هو‏ ‏الوسيلة‏ ‏التى ‏يمكن‏ ‏بواسطتها‏ - ‏بالتدريج‏ ‏وبعد‏ ‏جهد‏ - ‏تمييز‏ ‏هذه‏ ‏التركيبات‏ ‏الجوهرية‏ ‏أو‏ ‏ماهية‏ ‏الظاهرة‏ ‏واستبعاد‏ ‏الصفات‏ ‏العرضية‏, ‏وهذه‏ ‏الخطوة‏ ‏الثانية‏ ‏من‏ ‏المدخل‏ ‏الفينومينولوجى.. ‏خطوة‏ ‏الاختزال‏ ‏الماهوى ‏أورد‏ ‏الظواهر‏ ‏إلى ‏ماهياتها‏.‏
     والحدس‏ ‏المستخدم‏ ‏فى ‏هذه‏ ‏الخطوة‏ - ‏حدس‏ ‏الماهيات‏ - ‏هو‏ ‏نوع‏ ‏متميز‏ ‏من‏ ‏الحدس‏ ‏فهو‏ ‏ليس‏ ‏عملية‏ ‏آنية‏ ‏أو‏ ‏فورية‏ ‏وإنما‏ ‏هو‏ ‏عملية‏ ‏دراسة‏ ‏متأملة‏ ‏دقيقة‏ ‏لأمثلة‏ ‏عينية‏ ‏للظاهرة‏ ‏تمدنا‏ ‏بها‏ ‏التجربة‏ ‏أو‏ ‏التخيل‏, ‏وبإجراء‏ ‏تنويعات‏ ‏منظمة‏ ‏لهذه‏ ‏الأمثلة‏ ‏فى ‏الذهن‏ ‏مع‏ ‏تركيز‏ ‏الانتباه‏ ‏على ‏مايبقى ‏ثابتا‏ ‏رغم‏ ‏التعدد‏ ‏والتنويعات‏, ‏والذى ‏يؤدى ‏محوه‏ ‏إلى ‏القضاء‏ ‏على ‏الموضوع‏ ‏نفسه‏ ‏يمكن‏ ‏فى ‏النهاية‏ ‏التقاط‏ ‏ماهية‏ ‏الظاهرة‏ ‏أو‏ ‏الموضوع‏ ‏بوصفها‏ ‏هذا‏ ‏الثابت‏ ‏الجوهرى ‏أو‏ ‏المضمون‏ ‏المتفرد‏.‏
     بهذه‏ ‏الخطوة‏ ‏إذن‏ ‏يتم‏ ‏اختزال‏ ‏أو‏ ‏رد‏ ‏الأشياء‏ ‏إلى ‏ماهياتها‏ ‏أو‏ ‏حقائقها‏ ‏الثابتة‏ ‏التى ‏لا‏ ‏تشوبها‏ ‏أى ‏عناصر‏ ‏عرضية‏, ‏وثبات‏ ‏الحقائق‏ ‏هنا‏ ‏يعنى ‏الصدق‏ ‏الموضوعى ‏بمعنى ‏أنه‏ ‏إذا‏ ‏اكتملت‏ ‏هذه‏ ‏الخطوة‏ ‏كما‏ ‏يجب‏ ‏وتمت‏ ‏بها‏ ‏المعرفة‏ ‏البينة‏[9] ‏فإن‏ ‏الماهيات‏ ‏الملتقطة‏ ‏لا‏ ‏تتغير‏ ‏بتغير‏ ‏الظروف‏ ‏أو‏ ‏الأفراد‏.‏
     إن‏ ‏الماهيات‏ ‏التى ‏نصل‏ ‏إليها‏ ‏بهذه‏ ‏الخطوة‏ ‏هى ‏هدف‏ ‏الدراسة‏ ‏الوصفية‏ ‏للفينومينولوجيا‏, ‏وهى ‏اللبنات‏ ‏التى ‏يمكن‏ ‏بها‏ ‏بناء‏ ‏معرفة‏ ‏موثوق‏ ‏بها‏ ‏بشكل‏ ‏مطلق‏ ‏فى ‏أى ‏علم‏ ‏وفى ‏أى ‏مجال‏.‏
‏3. ‏ألاختزال‏ ‏المتعالي Transcendental Reduction 
     وفيه‏ ‏يتم‏ ‏استحضار‏ ‏الذات‏ ‏المتعالية‏ ‏أو‏ ‏الوعى ‏المتعالى (‏أرضية‏ ‏أو‏ ‏مصدر‏ ‏تكوين‏ ‏كل‏ ‏المعاني‏), ‏وبالارتداد‏ ‏إلى ‏منجزات‏ ‏هذا‏ ‏الوعى ‏الخالص‏.. ‏برد‏ ‏المعرفة‏ ‏المتكونة‏ ‏فى ‏الخطوات‏ ‏السابقة‏ ‏إليه‏, ‏يتم‏ ‏التحقق‏ ‏من‏ ‏صدقها‏ ‏الموضوعى .. ‏حيث‏ ‏أن‏ ‏هناك‏ ‏يكمن‏ ‏مصدر‏ ‏الموضوعية‏ ‏الحقيقية‏ ‏أو‏ ‏مصدر‏ ‏العطاء‏ ‏القاطع‏ ‏البين‏ ‏ومنبع‏ ‏المعرفة‏ ‏الحقيقية‏ ‏بكل‏ ‏الموضوعات‏ ‏بما‏ ‏فيها‏ ‏الذات‏ ‏التجريبية‏ ‏نفسها‏, ‏وعن‏ ‏هذه‏ ‏العملية‏ ‏يقول‏ ‏هوسرل‏:‏
‏"‏إنها‏ ‏التساؤل‏ ‏المرتد‏ ‏إلى ‏المنبع‏ ‏النهائى ‏لكل‏ ‏انجازات‏ ‏المعرفة‏, ‏للتأمل‏ ‏الذى ‏يتأمل‏ ‏العارف‏ ‏فيه‏ ‏نفسه‏ ‏وحياته‏ ‏العارفة‏, ‏والذى ‏تتكون‏ ‏فيه‏ ‏كل‏ ‏البنيات‏ ‏العلمية‏ ‏الصادقة‏ ‏بشكل‏ ‏غائى teleological  ‏ويتم‏ ‏الاحتفاظ‏ ‏بها‏ ‏كمتحصلات‏ ‏دائمة‏, ‏وتصبح‏ ‏فى ‏متناوله‏ ‏بشكل‏ ‏حر‏"[10].
3. دور ومدخل الفينومينولوجيا في دراسة الإسلام
يتوجه الفينومينولوجيا الديني من ناحية التجرب الديني، بوصف وتصور الظواهر الدينية بالملاحظة الى درجة الاعتقاد من المبحوث.نظر هذا المدخل الدين بصفته جزء مختلف ويدرس بالاحتياط على الأساس التقليدي الديني للوصول الى ما فيه. الفينومينولوجيا الديني ظهر في محاولة الاجتناب عن المداخل الضيقة بالكشف عن الواقعة الدينية الصحيحة.[11]  
        على الأقل خمسة خطوات يخطو بها المدخل الفينومينولوجي في الدراسة الإسلامية كما قدمه Geradus Van der Leeuw في كتابه Religion in essence and manifestation: A study in phenomenology of religion [12]
1.   تقسيم الظواهر الدينية لاقسامها كالأضحية، السر المقدس، الأمكنة المقدسة، الزمن العظيم، ...الخ. يقام هذا التقسيم على تلك الظواهر لفهم القيمة لكل منها.
2.   عملية الاشتراك لمن يبحث في الظاهرة من الظواهر الكائنة للحصول على الخبرات والبيانات عنها لتفهيمه دقيقيا.
3.   البحث في ارتباط البيانات التركيبي المأخودة لنيل التعريفات عن العناصر الأساسية لدين ما.
4.   قال Van der Leeuw أن الأدوار السابقة سيعرف منها طبيعيا عن التعريفات الاصلية على الواقع  او ادراك من الوحي.
لا يقوم الفينومينولوجيا وحده (operate in isolation) بل يرتبط بمداخل أخرى لحفظ فعاليته.
ج. الخاتمة



[1] فضلت استعمال تعريب لفظ Phenomenology على استعمال ترجمته لسببين:
1- أن الترجمات الممكنة مثل "علم الظاهرات" أو "الفلسفة الظاهرية" .. الخ تحمل فى اللغة العربية معنى ظاهر الشئ فى مقابل باطنه .. وهو مالا يتفق مع مفهوم هذه الفلسفة.
2- لتجنب خلطها بالفينوميناليزم Phenomenalism  وتترجم عادة إلى "الظاهراتية" وهى فلسفة مختلفة عن الفينومينولوجيا كما سيتضح فى سياق الدراسة.
[2] المذهب الطبيعى Naturalism هو مذهب منطلق مادى ويتضمن أن كل ما هو موجود يمكن تفسيره بطريقة طبيعية من خلال قوانين علمية قائمة على مدخل تجربى، فالقوانين العلمية التى تقدم تفسيرات سببية مؤهلة لتعليل كافة الظواهر والكشف عن حقيقتها، وليس للأشياء أو الظواهر أى معنى خارق عن الطبيعة ولا القوانين السببية التى تحكمها. على هذا الأساس يقول هذا الاتجاه بأن نموذج مناهج العلوم هو النموذج الأعلى العلمى ويجب تطبيقه فى كافة العلوم.
[3] مجدي عرفة. 1980. الفينومينولوجيا والبحث فى الإنسان. (أونلين) http://www.rakhawy.org
[4] شخصي. 2009. الفينومينولوجيا. (أولين) http://kenanaonline.com
[5] Encyclopaedia Britanica (1977)‏ ‏15 th edition, vol. 14, Ps 10 - 15 (Phenomenology). Chicago/ London/.... - Helen Hem-ingway Benton Publishers.

[6] Encyclopaedia Britanica. Opcit
[7]  زكريا‏ ‏إبراهيم‏ .1968. "‏دراسات‏ ‏فى ‏الفلسفة‏ ‏المعاصرة‏" ‏القاهرة‏: ‏مكتبة‏ ‏مصر
[8] Thine"s, G. 1977. Phenomenology and the Scuence of Behauiour.London: George Allen & Unwin.

[9] ‏الوسيلة‏ ‏إلى ‏التيقن‏ ‏من‏ ‏المعرفة‏ ‏بالموضوعات‏ ‏والتحقق‏ ‏من‏ ‏الصدق‏ ‏الموضوعات‏ ‏والتحقق‏ ‏من‏ ‏الصدق‏ ‏الموضوعى
[10] Encyclopaedia Britanica. Opcit
[11] http://en. wikipidia.org/phenomenology of religion, dikutip 6 Mei 2012.
[12] Emeka C. Ekeke & Chike Ekeopara, “Phenomenological Approach to The Study of Religion A Historical Perspective,” European Journal of Scientific Research, Vol. 44, No. 2, 2010, hlm. 267.

Tidak ada komentar:

Posting Komentar