Minggu, 31 Mei 2015

نظرية السياق


ويطلق اللغويون على أتباع هذه النظرية المدرسة الإجتماعية الإنجليزية، وهي التي يتزعمها العالم اللغوي "فيرث"، وقد تأثر فيرث كثيرا بنظريات العالم الأنثروبولوجي البوبندي "مالينوفسكي"، الذي يرى أن اللغة ليست كما يقال في التعريف التقليدي: وسيلة من وسائل توصيل الأفكار والإنفعالات، بل يرى أنها-فوق ذلك- نوع من السلوك الإنساني، وضرب من العمل تؤدي وظائف كثيرة غير التواصل.
          ويرى أصحاب هذه النظرية أن معنى الكلمة لايمكن تحديده إلا من خلال استعمالها في سياق،ومن هذا المنطلق كان من اللازم عندهم لدراسة المعنى أن يدرسوا السياقات التي ترد فيها الكلمة، سواء أكانت هذه السياقات لغوية أم كانت غير لغوية، وتأسيسا على ذلك فقديتعدد معنى الكلمة الواحدة بتعدد السياقات التي وردت فيها، وهم بذلك ينفون أن يتحدد المعنى من خلال رؤية المشار إليه، أو من خلال وصفه، أو من خلال تعريفه.
          وخلاصة رأيهم أن الكلمات ليس لها معان، وانما لها استعمالات، ثم إن هذه الاستعمالات تخرج بالكلمات من محيط اللغة الساكم إلى محيط الكلام المتحرك. ولذلك قالوا قولتهم المشهورة:"لا تبحث عن معنى الكلمة وابحث عن استعمالتها"، وقد استدل بعضهم على هذا الرأي بأن قالوا: إن الترجمة الصحيحة لاتتم من خلال المعاجم، بل من خلال معرفة المترجم بالكلمات في استعمالتها وسياقاتها المختلفة.
ويقول (استيفن أولمان) في ذلك: "وكلمة السياق (context) قد استعملت حديثا في عدة معان مختلفة، والمعنى الوحيد الذي يهم مشكلتنا في الحقيقة هو معناها التقليدي، أي النظم اللفظي للكلمة وموقعها من ذلك النظم بأوسع معاني هذه العبارة. إن السياق على هذا التفسير ينبغي أن يشمل- لا الكلمات والجمل الحقيقة السابقة واللاحقة فحسب- بل والقطعة كلها والكتاب كله، كما ينبغي أن يشمل- بوحه من الوجوه- كل ما يتصل بالكلمة من ظروف والملابسات.
والسياقات التي يمكن أن يتعدد المعنى على أساسها كثيرة ومتنوعة وقد اختلف اللغويون في تحديد أنواع تلك السياقات، إلا أنه يمكن تصنيفها على النحو التالى:
1-              السياق اللغوي
2-              السياق العاطفي
3-              سياق الموقف
4-              السياق الثقافي
على أن يجب التنبيه على أن السياق اللغوي هو الأهم من بين هذه الأنواع.
1-              (السياق اللغوي)
يقع هذا النوع من السياق في حالة ما إذا وردت الكلمة الواحدة في عدد من الجمل (السياقات اللغوية)، وتحمل في كل جملة معنى مغايرا لمعانيها في سائر الجملالأخرى، ويمكن التمثيل لذلك بكلمة (يد)، فإنها تأتي في عدة سياقات، وتختلف معناها في كل سياق، على النحو التالي:
-       في قوله تعالى: "يد الله فوق أيديهم"، تعنى العناية.
-       في قوله تعالى: "حتى يعطوا الجزية عن يد"، تعنى الذلة والمهانة.
-       في قوله صلى الله عليه وسلم: "وهم يد على من سواهم"، تعنى الإتحاد.
-       وفي قولهم:" اسقط في يده"، تعنى الندم والتحير.
-       وقولهم:" بايعته يدابيد"، تعنى نقدا.
هذا فضلا عن اليد المعروفة التي هي عضو من أعضاء جسد الإنسان. فاختلاف معنى اليد في الأمثلة السابقة لم يكن منشؤه إلا دلالة السياق، ولعل الرجوع إلى المعاجم اللغوية في مثل هذه المعانى قد لايثمر كثيرا. وبمثل كلمة (يد) يمكن التمثيل بكلمة (العين)، فيقال مثلا:
-       أعطاه ألف دينار عينا، يعنى نقدا.
-       أصاب أرض بني فلان عين، يعنى المطر لأيام لايقلع.
-       أرسل القائد عينا قبل الهجوم، يعنى جاسوسا.
-       أصابته عين، يعنى الحسد.
وغير ذلك في الكلام كثير، لايحدده إلا دلالة السياقات المختلفة، كما يمكن التمثيل كذلك بالفعل (أكل) في عدد من الآيات القرآنية في سياقات متباينة، على النحو التالى:
-       وقالوا ما لهذا الرسول يأكل الطعام....، بمعنى التغذية.
-       وأخاف أن يأكله الذئب.....، بمعنى يفترسه.
-       أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا، بمعنى الغيبة.
ولا شك أن هذه المعنى قد استنبطت من خلال السياقات، أو قل من خلال ما اكتنف الفعل في كل سياق من كلمات أخرى. وبمثل الفعل (أكل) يمكن التمثيل بالفعل (ضرب)، وسنرى كيف يختلف المعنى للفعل ذاته من سياق إلى آخر، فمن ذلك:
-       ضرب المدفع، بمعنى أطلقه.
-       ضرب النار، بمعنى أشعلها.
-       ضرب على يده، بمعنى منعه.
-       ضربه بالعين، بمعنى حسده.
ومن السياق اللغوي أيضا التقديم والتأخير، ففي مثل قولك: يرحمك الله، بتقديم الفعل، فإن المعنى ينصرف إلى تشميت العاطس، فإن قلت: الله يرحمه، بتقديم لفظ الجلالة على الفعل، فإن المعنى ينصرف إلى الترحم على الميت. هذا فضلا عما يحدثه تقديم الفعل على الفاعل في لغة كالإنجليزية مثلا من نقل الكلام من الإخبار إلى الإستفهام. ولما كان التقديم والتأخير ظاهرة لغوية دخل في حيز السياق اللغوي.
(2) السياق العاطفي
من خلال هذا النوع من السياق يمكن أن تعين درجة الإنفعال، كأن يكون هناك مبالغة أو تأكيد أو تراخ، ومن ذلك مثلا الفعل (يحب) والفعل (يعشق) فمع اتحادها في أصل المعنى، إلا أننا نلاحظ فرقا معنويا بينهما في درجة المودة والتقارب النفسي، وهذا الفارق المعنوي بينهما هو الذي نعبر عنه بالسياق العاطفي.
(3) سياق الموقف
هناك ألفاظ وعبارة لا تقال إلا في مواقف معينة، فإذا سمعنا مثلا من يقول لصاحبه: (مبروك) فهمنا من ذلك أن الأمر يتعلق بحدث سعيد أو أنباء سارة حلت بالمخاطب. فإذا سمعناه يقول مثلا لآخر: (عظم الله أجرك)، علمنا أنه في موقف عزاء لموت عزيز عليه. وإذا سمعناه يقول لثلاث: (كل عام وأنت بخير)، علمنا أن الأمر يتعلق بمناسبة سعيدة.
إن هذه العبارات وأمثالها قد صارت مرتبطة بسياق ما لا تفارقه، مع أن كثيرا منها لا تدل ألفاظه- من حيث دلالتها المعجمية- على هذا المعنى أو ذاك. فعبارة مثل: عظم الله أجرك، إذا فرغت من سياق الموقف فإنها لن تدل على أكثر من الدعاء له بتكثير الأجر من الله تعالى. ومثل ذلك في عبارة: كل عام وأنت بخير، فإنها إذا فرغت من سياق الموقف فلن تدل على أكثر من الدعاء له بالحير والسلامة في كل أيامه.
(4)السياق الثقافي
وفيه لابد ممن تحديد نوع المجتمع اللغوي الذي تقال فيه الكلمة، من حيث المهنة، أو درجة الثقافة، أو اختلاف اللهجات، فمن حيث المهنة مثلا يمكن التمثيل بكلمة (الجذر) فهي تعنى عند المزارعين أو علماء النبات ذلك جزء المعروف من النبات، بينما تعنى- هي نفسها- الأصل الأول للكلمة وذلك عند علماء اللغة و المعجميين خاصة، وعند عالم الرياضيات تعنى مفهوما آخر غير السابقين تماما.
وأما من حيث اللهجات، فيمكن التمثيل بكلمة (عيش) بكسر العين، فإنها كلمة ينطقها المصريون ويعنون بها الخبز، بينماا يطلقها الخليجيون على وجبة الأرز، وهذا كله يعد من باب الكلمة الواحدة، التي تعددت معانيها بحسب السياق.
أما من حيث الثقافة المتكلمين، فإن كل جماعة تنتمي إلى مستوى ثقافي واحد تتواضع على ألفاظ دون غيرها من المستويات الثقافية الأخرى، فمثلا المثقفون يقولون على زوجة الرجل: عقيلته، ويقول من دونهم: حرمه، وهكذا تتدرج اللفظة بحسب ثقافة الجماعة إلى : زوجته، امرأته، جماعته، مراته. ويكفي أن يسمع المرء إحدى هذه الألفاظ من شخص ما، حتى يعرف المستوى الثقافي للمتكلم، وهذا النوع يعد من باب المعنى الواحد الذي تتعدد ألفاظه بحسب السياق.




Tidak ada komentar:

Posting Komentar